الأحد، 6 أكتوبر 2013

اليوم العالمي للصحة النفسية يخصص هذا العام للمسنين


د / عبدالهادي عتيق الهباد *

اليوم العالمي للصحة النفسية
يخصص هذا العام للمسنين

إن المتتبع لحياة الإنسان يجدها تمر في عدة مراحل حيث يبدأ ضعيفاً وينتهي كذلك. قال تعالى (  اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ). وتعد مرحلة الشيخوخة إحدى مراحل النمو الأساسية التي يصاحبها كثير من التغيرات الفسيولوجية والبيولوجية والنفسية والاجتماعية، وينتج عن هذه المتغيرات الخلل في الوظائف على مختلف الأصعدة سواء الشخصي أو الأسري أو الاجتماعي. 
وفئة كبار السن (المسنين) من الفئات الهامة التي لا يمكن تجاهلها خاصة في وقتنا الحالي، حيث أصبح كبار السن يشكلون نسبة تتزايد مع الوقت وذلك لتحسن مستوى الصحة على مستوى العالم مماساهم في ارتفاع متوسط عمر الإنسان، وهذا يتطلب تسليط العناية والاهتمام بهذه الفئة بشكل كامل ومنها ما يتعلق بصحته النفسية بشكل خاص. ومع هذه الأهمية فقد تقرر أن يكون اليوم العالمي للصحة النفسية لهذا العام والذي يوافق العاشر من شهر أكتوبر خاصاً بالمسنين وما يتعلق بهم في جوانب الصحة النفسية.
وسأحاول في هذا المقال أن أسلط الضوء على أبرز المشاكل المصاحبة لهذه المرحلة والتي تؤثر في الحالة النفسية لدى المسنين: 
١- الأمراض المزمنة : 
في هذه المرحلة يقع المسن تحت تأثير العديد من الأمراض مثل الضغط، السكر ، أمراض القلب والشرايين ، هشاشة العظام، اضطرابات المعدة والقولون ، أمراض العيون ، ضعف السمع والبصر وغيرها ، وكل ذلك يسبب للمسن الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب 
٢- تدهور الوظائف البيولوجية والفسيولوجية : 
تشير الدراسات إلى أن هذه المرحلة هي مرحلة اضمحلال في البناء والوظيفة فتجف الأنسجة وتتدهور ويضعف نمو الخلايا ويتدهور الجهاز العصبي والعضلي ويذبل الجلد وتضعف قوة السمع والإبصار مع التغيرات الهرمونية والدورة الدموية.   
٣- تدهور المستوى المعرفي : 
مع تقادم العمر تضعف القشرة المخية في الدماغ وكذلك يضعف عمل المستقبلات الحسية التي ترتبط بالمخ مما يؤدي الى انخفاض الذاكرة والذي يظهر على شكل نسيان وصعوبة حفظ واسترجاع المعلومات وينخفض مستوى القدرات الفكرية كالحكم والتفكير المجرد والتعليل وعلاقات التخيل المكاني مما يؤثر على تفاعلهم الاجتماعي وتكيفهم بشكل عام وقد تكون هذه الأعراض مظاهر للاكتئاب أو خرف الشيخوخة. 
٤- الوحدة النفسية : 
وهي حالة من العزلة العاطفية والاجتماعية قد يعاني منها المسن وخصوصاً عندما يضعف دور الدعم العائلي وتزداد هذه العزلة بسبب تغير أساليب الحياة للأجيال الجديدة وتغير أنماطها مما يدفع المسن إلى العزلة والانفراد بنفسه. 
٥- فقدان العمل والتقاعد : 
تعد أزمة التقاعد على رأس المشكلات التي يعاني منها كبار السن وما يصاحبها من متغيرات كنقص الدخل، وتغير أسلوب الحياة حيث يطغى الروتين اليومي، ويتقلص الدور الاجتماعي حيث يفشل بعض المسنين في إيجاد فلسفة واضحة لحياتهم ويعتقدون أن الحياة منعزلة وتافهة وعديمة المعنى فيسبب لديهم الشعور بالقلق والاكتئاب. 
٦- العجز وصعوبات التنقل والحركة : 
كلما تقادم السن زادت نسبة العجز وصعوبة التنقل والحركة، هذه الصعوبة تجعلهم محتاجين إلى المساعدة المستمرة في الأنشطة اليومية العادية والتي قد تتراوح من مساعدة على المشي إلى المساعدة الكاملة حتى في قضاء الحاجة. إن هذا العجز قد يولد لدى المسن الشعور بالنقص واليأس والاكتئاب. 
٧- فقدان الزوج ( الترمل ) 
إن من أهم التحديات الكبيرة التي تواجه كبار السن هي موت الزوج أو الزوجة والذي يؤدي إلى تحول جوهري في حياته فهو بموت شريك حياته يفقد الأنيس والداعم والمتفهم لحاجاته وصاحب سره ونتيجة لذلك قد يتحول حزنه على فراق شريكه إلى حزن شديد يزداد معه التوتر والقلق والاكتئاب والشعور بالوحدة والشعور بالذنب واليأس وضياع معنى الحياة. 
٨- قلة الدعم الاجتماعي : 
إن المساندة الاجتماعية شيء محوري في حياة كبار السن، وهي من المؤشرات المهمة للحياة الجيدة . وعندما يفقد كبار السن هذا الدعم الاجتماعي فإنهم عرضة للعزلة والشعور بالنقص ومن ثم الاكتئاب. 

ماهي الاضطرابات النفسية الأكثر انتشارًا في مرحلة كبار السن؟ 
نتيجة لكل العوامل السابقة فإن هذه المرحلة تنتشر فيها الاضطرابات النفسية والتي تتفاوت في نسبة حدوثها وشدتها وتأثيرها على حياة المسن ومن حوله ، ومن أهم هذه الاضطرابات مايلي : 
١- اضطراب القلق 
٢- اضطراب الاكتئاب 
٣- اضطراب انخفاض القدرات المعرفية والخرف 
٤- الاضطرابات الذهانية كالفصام والذهان الزوري 
٥- الاضطرابات النفسية الجسمية 

ماذا يحتاج المسنون من مجتمعهم وذويهم ؟ 
إن الحاجة للوقاية من مشاكل الشيخوخة تسبق العلاج ويتم ذلك بالعمل على رعاية النمو في كافة مراحله واضعين في الحسبان هذه المرحلة فتقدم الرعاية الصحية الجسمية والاهتمام بالفحص الطبي الدوري والوقاية من الحوادث والتعرض للعدوى. 
كما يجب تقديم الرعاية الصحية النفسية لكبير السن والاهتمام بحل مشاكله وإشباع حاجاته النفسية وتفهم التغيرات الطارئة في هذه المرحلة ومساعدته في تجديد نشاطه وشعوره بأهميته ودوره في الحياة. كما يجب الاهتمام بالجانب الاجتماعي وتوسيع دائرة الصداقات والاهتمام بتجديد الهوايات كالمشي والرياضات الخفيفة. 
إن تشجيع كبير السن على البحث والقراءة والاطلاع له دور مهم في تحفيز ذاكرته وتقليل تدهورها، ويشعره كذلك بأهميته وقدرته على تحديد أهداف مستقبلية والعمل لتحقيقها. ويقع على عاتق المؤسسات الصحية والاجتماعية الدور البارز لتقديم الخدمات التكاملية لرعاية المسن الذي قدم للوطن الكثير في شبابه ويحتاج لمن يكفل له الحياة في عزة وكرامة. والتوعية المجتمعية للمحيطين بكبار السن ليولوهم العناية الكافية والملائمة لاحتياجات سنهم.

*استشاري الطب النفسي 
مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز الطبية 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق