الاثنين، 7 سبتمبر 2015

قمر!

"قمر"
قصة قصيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رؤى الزهراني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رُزِقتُ اليوم بابنة جميلة، غيرَ أنّي حزينٌ جِدًّا لأنّها كانت أُنثى، أُمّي قست عليّ كثيرًا حينما رأت وجهي مُسودًّا بعد ما أخبرتني بما ظنّتهُ بُشرى!! أن أصبحتُ أباً لبنتٍ، هي أكثرُ ما تمنّيتهُ طول عُمري، لكنّ ذلك حدث بالشكل الذي لا أُريد.

اصطحبتُ زوجتي قبل شهرٍ من اليوم، لنطمئنّ على الجنين ونعرف جنسه ؛ أخبرتنا الطبيبةُ يومها أنّ زوجتي تحملُ طفلة، كان يومًا سعيدًا لا يستطيع الكلام أن يفيه حقّهُ من الوصف، ستلدُ زوجتي اللطيفةُ ابنةً جميلة، ظللتُ أفكّر: يا تُرى هل ستُشبههُا أو تشبهني أنا؟ أو حتّى أمّي؟ أو أمّ والدتها التي لم يسبق لي لقاءها، فقد توفّاها اللهُ قبلَ أن أتزوّج ابنتها، تمنّيتُ لحظتها لو أنّها حيّةٌ تُشارِكُنا الفرحة والسرور. بعدها أوصلتُ زوجتي للبيت وذهبتُ لأشتري لها قطعة من ( التشيز كيك) الذي تفضله، ثمّ اشتريت باقةً من الورد وعُدت للمنزل، وجدتُ زوجتي تحادثُ أُختها على الهاتف وتستشيرهُا ماذا ستسمّي ابنتها، رمت الهاتف حين لاحظت ما كُنتُ أحملُ في يدي وعانقتني وهي تضحكُ بشدة، كان عناق العائلة السعيدة، الابنةُ بين والديها حتّى ونحنُ لم نرها بعد!

أكلت زوجتي ما جلبتُ معي ثمّ شعرت بالخمول الشديد فقررت النوم، كنت أسابق الوقت لأنعم بلعبة مع ابنتنا في أحلامي..

-أحمد، قالت زوجتي.

- نعم 

- أتذكُرُ حين اتّفقنا أن تُسمي انت الولد ويكون اسم البنت من نصيبي أنا؟

- طبعًا

- أحمد .. أودّ تسميتها باسم والدتي المتوفّاة.

- والذي كان؟

- قمر 

- أمل أرجووووك أيّ اسمٍ آخر إلّا قمر ..

- ...!

- أرجووووك أمل (وفي ثوانٍ تحوّلتُ لطفلٍ صغيرٍ وبدأتُ أجهشُ بالبكاء) 

كان منظرًا مخيفًا لم تنتظرهُ أُنثى مثلها، قمتُ من السريرِ أبكي كالأطفال بصوتٍ عالٍ ولم يردع بكائي أي شيءٍ سوى الماء الذي كنت اسكبه من المغسلة على وجهي، وحاولتُ جاهدًا أن أتوقّف لكن بلا فائدة، بعدها بساعاتٍ طرقت والدتي الباب: دخلت لترى وجهي المخيف وتتركني كما اعتادت جانبًا –في مثل هذه الحال- وذهبتْ لاحتضان زوجتي!

 أغلقتُ الباب وذهبتُ لغرفة استقبال الضيوفِ واخترتُ زاوية لأبكي فيها، ونمتُ هناك حين أعياني التعبُ صباحًا، استيقظتُ عصرًا وبحثتُ عن أمي وأمل، فوجدتُهُما في الحديقة تتحدّثانِ عن كتابٍ قرأتهُ أمل عن تفسير سورة القمر، تمالكتُ نفسي وبدّلتُ ملابسي ورششتُ بعض العطر ثُمّ نزلتُ إليهما، قالت أمّي: أحمد تعال إلى هنا، لا تنظُر لوجهِ أمل أبدًا، وقل لي: ماذا حدث ليلة البارحة؟ سكتّ وأشحتُ بنظري للعُشب.

- أمّي! فقط أنا لا أودّ أن تسمي ابنتي قمرًا، هل أنا مخطئ؟ 

- ليس عدم رغبتك خطأً، الخطأُ أنّك لم تُبرّر ذلك ...

- أمّي.. لقد أفزعتُ أمل ليلة البارحة، ولم أُبرّر لها شيئًا ولا أستطيعُ ذلك الآن وإلا عدت لما كان بالأمس.

- أحمد! أقسم أني لم أغضب من تصرفك، رغم فزعي -قالت أمل- لكن لديّ سؤالٌ وحيد: هل كان لك حبيبةٌ تحمل ذات الاسم فلمس الاسم جرحا؟ 

- أقسمُ بالله أنّهُ صديقٌ (وبدأ الدّمعُ بالهطولِ مُجددًا). 

- أمي: أحمد هل تسمعني جيّدًا، ألن تنفكّ محبوسا في طفولتك البلهاء؟!!! 

- أنا: أمل اسمعيني جيّدًا هلَّا اخترت اسمًا آخر؟

- أمي: أحمد، والله لأغضبنّ عليك إن لم تُسمها قمرًا.

وقفتُ وركضتُ سريعًا نحو غرفتي، جلستُ على السرير أبكي وأتذكرُ جيّدًا، طفولتي البلهاء!! حين مات أبي وهو يضع رأسهُ على فخذي في الحديقةِ ونحنُ نراقب القمر، بعدها صار القمرُ صديقي الوحيد. طالما كنت أبكي لحزن أمي ولقسوتها عليّ، ثمّ أهرب من البيتِ أبحثُ عن القمر وعلى يدي حرقةٌ، وأحيانا كنتُ أنزفُ دمًا!

كان القمرُ هُناك يسمعني جيدًا وينظر لدموعي ويصدقني، وحده كان يرى كل شيء، كان يغيب أيّامًا، يحيط به السواد، وأغرق أنا في الوحشة، وكنا ننمو معا! كنّا نعلمُ أنّنا ضعيفين جدًّا أمام الحزنِ ورغبات أمهاتنا، أنا وهو. وكبرتُ أتذكّرُ الحُزن الذي يجمعني بالقمر دائمًا، فيوم وفاةِ والدي لم أستطع أن أرى قمري، وكانت أمي حاملًا باختي قمر، التي ماتت اختناقا من البكاء وعمرها لم يتجاوز الشهرين بعد!! كان اسم قمر يختزِلُ الحُزن في جوفي والوحدةَ، لم أشأ أن أفقد قمرًا آخر بعد ذلك، لكنّ أمّي أصرّت.

حدثَ فيما بعدُ وهي على سرير المشفى، قالت زوجتي لأمّي: ابنك مصابٌ بعقد نفسية، لن أستطيعَ أن أعيشَ معهُ على هذه الحال، سآخُذ طفلتي، وأنتقل للعيش مع أختي حتّى أجد شقة مناسبة.

هكذا تحقّقت كُلّ نُبوءاتي يا ابنتي الحبيبة، أيها القمر الذي لن يكتمل بين يدي كما حلمتُ، سأهرم يا ابنتي في وحشتي، بانتظارِ اليوم الذي آفلُ مثلك مع الآفلين؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق